17 عاما مضت على توقبع اتفاق مكة بين حركتي "فتح" و"حماس"، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية.
تم توقيغ الاتفاق بين الحركتين في مدينة مكة يوم الثامن من فبراير عام 2007 بحصور الرئيس محمود عباس والنائب محمد دحلان ورئيس الوزراء أنذاك إسماعيل هنية ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، و تم الإتفاق على وقف الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ورغم أجواء التفائل الكبيرة التي رافقت التوقيع على الاتفاق إلا أن التوتر بقي موجوداً في الأسابيع التي أعقبت التوقيع. وانهار الاتفاق مع أحداث منتصف حزيران في قطاع غزة في يونيو 2007 والتي انتهت إلى أن تؤول السلطة في القطاع إلى حركة حماس، وتبددت معه أحلام إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
وعلى مدار أكثر من 17 عاما، لم تفلح التفاهمات والاتفاقات بين حركتي فتح وحماس، في رأب الانقسام الفلسطيني الداخلي، إذ جرت عشرات اللقاءات منفردة وجماعية وحوارات علنية وسرية ووساطات متنوعة، فشلت جميعها في إنهاء الانقسام.
وفي كل مرة كان يجري فيها التوصل لاتفاق مصالحة، وتنطلق الاحتفالات بما تحقق، سرعان ما تتكشف الحقيقة المرة عن خيبة أمل وفشل في تطبيق ما يتفق عليه؛ وسط تيبادل الاتهامات بين الطرفين حول المسؤول عن إفشال الاتفاق.
وفي الذكرى الـ17 لتوقيع "اتفاق مكة"، يستعرض "صوت فتح" أبرز اتفاقات المصالحة بين حركتي فتح وحماس خلال العفدين الماضيين:
إعلان القاهرة عام 2005
أولى الاتفاقيات جاءت قبل عام واحد من إجراء الانتخابات التشريعية، من خلال ما عرف بإعلان القاهرة في 19 مارس/أذار 2005.
حينها وقعت الفصائل بما فيها فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية لتحرير فلسطين والديمقراطية على إعلان القاهرة، كمحاولة لإزالة الخلافات التي كانت آخذة بالتبلور بين أكبر فصيلين (حماس وفتح) بعد 5 سنوات من اندلاع انتفاضة الأقصى آنذاك.
وكان أحد أهم أهداف إعلان القاهرة هو تطوير منظمة التحرير لتشمل جميع القوى والفصائل، فضلا عن تمهيده لإجراء الانتخابات بمشاركة حركة حماس لأول مرة مرة في 25 يناير/كانون الثاني 2006.
وثيقة الأسرى عام 2006
على وقع الخلافات العميقة التي ظهرت بعد فوز حماس في الانتخابات، ورفضها الالتزام ببرنامج منظمة التحرير، توصلت 5 فصائل منها فتح وحماس في سجون الاحتلال في مايو/أيار 2006 لوثيقة توافق وطنية عرفت باسم وثيقة الأسرى، دعت لتقريب وجهات النظر بين الفصائل ودعت لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
أيد الرئيس محمود عباس على الفور موافقته على الوثيقة التي تعترف ضمنيا بإسرائيل، وطالب بأن توافق حماس صراحة على ذلك.
ورغم توقيع قيادة حماس في السجون على الوثيقة اعترضت قيادتها في الخارج على بعض بنودها، حتى جرى التوصل لنسخة منقحة من وثيقة الأسرى، لكنها لم تفلح في حل معضلة الحصار الذي فرض تحت ذريعة رفض الحركة الاعتراف بإسرائيل.
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2006، توصل الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية إلى اتفاق مبدئي لتشكيل حكومة وحدة وطنية يقوم على الوثيقة نفيها.
وشهد 20 سبتمبر/أيلول من العام نفسه نشر صحيفة الأيام نص مشروع الاتفاق المسمى برنامج الحكومة الجديدة الذي يتألف من 7 نقاط، أبرزها اعتراف حماس للمرة الأولى باتفاقات السلام بين منظمة التحرير وإسرائيل.
وعندما أعلن الرئيس عباس في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول 2006 أن برنامج الحكومة الجديدة يتماشى تماما مع شروط اللجنة الرباعية (الالتزام بمبادئ اللاعنف والاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقات والالتزامات السابقة بما في ذلك خارطة طريق السلام) تراجعت حماس عن اتفاقها.
وفي اليوم التالي أعلن هنية أنه لن يرأس حكومة تعترف بإسرائيل لكنه أكد مجددا استعداد حماس لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة واحترام هدنة طويلة الأمد مع الاحتلال، ليتم بعدها بيومين إعلان عودة جهود الوحدة إلى المربع صفر.
وعقب ذلك، وتحديداً في 16 ديسمبر/كانون الأول 2006 أصدر عباس من جانب واحد نداء لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة مما أدى إلى انتقادات واسعة من حماس.
اتفاق مكة المكرمة عام 2007
دخلت السعودية بكل ثقلها لمحاولة نزع فتيل الخلافات الفلسطينية التي كانت بلغت ذروتها باشتباكات مسلحة في قطاع غزة، واستضافت الجانبين في مكة المكرمة.
وبالفعل نجح الجانبان في التوقيع على اتفاقية مكة المكرمة في 8 فبراير/شباط 2007 بعد ثمانية أيام من المحادثات ووافقت على وقف الاشتباكات العسكرية في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وشكلت حكومة وحدة وطنية، ولكن خلال أربعة أشهر تفجر صراع دموي بلغ ذروته في 14 يونيو/حزيران 2007، عندما سيطرت حماس بالقوة على قطاع غزة.
وبناء عليه بات هناك حكومة لحماس تحكم قطاع غزة دون اعتراف دولي، في حين شكل الرئيس الفلسطيني حكومة طوارئ برئاسة سلام فياض قادت الحكم في الضفة الغربية وتولت المسؤولية عن القطاع لكن دون أن تتمكن من أدوات الحكم فيه.
إعلان صنعاء عام 2008
في 23 مارس/أذار 2008، وقعت حماس وفتح إعلانا في العاصمة اليمنية صنعاء الذي يعتبر اتفاقا للمصالحة؛ حيث دعا إلى عودة قطاع غزة إلى حالة ما قبل يونيو/حزيران 2007.
لكن على الفور ظهر الخلاف حول تفسير بنود الإعلان، ففي حين قالت فتح إنه على حماس أن تتخلى عن سيطرتها على غزة أولا، طالبت الأخيرة بإعادة حكومة الوحدة بقيادتها أيضا.
وأمام ذلك، وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، أوقفت محادثات المصالحة المقرر إجراؤها في القاهرة بعد أن أعلنت حماس مقاطعتها احتجاجا على اعتقال عناصر لها في الضفة الغربية من الأجهزة الأمنية.
محادثات عام 2009
بعد الحرب الإسرائيلية على غزة مطلع العام 2009، بدأت فتح وحماس جولة جديدة من المحادثات في القاهرة في فبراير/شباط 2009.
وفي 7 مارس/أذار 2009، قدم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض استقالته لتمهيد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وعقب ذلك بخمسة أيام، أفادت التقارير بأن الطرفين توصلا إلى حل توفيقي بشأن مسألة أجهزة الأمن الفلسطينية، وفي الـ15 من الشهر نفسه لاتفاق بشأن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بحلول 25 يناير/كانون الثاني 2010,
لكن بعدها بيومين ظهرت مشاكل فيما يتعلق بشروط حكومة الوحدة الوطنية، مع إصرار حماس على أنها تريد حصة الأغلبية في أي وزارة جديدة ورفض القبول ببرنامج سياسي مقبول دوليا.
محادثات عام 2010
قفزت الأيام، وحل فبراير/شباط 2010 ليجري الطرفان من بين مجموعات فلسطينية أخرى محادثات تهدف إلى التوفيق بين الفصائل المتناحرة. وفي مارس/أذار من العام نفسه اجتمع ممثلون عن فتح وحماس في العاصمة السورية دمشق. وجرت مباحثات أيضا في الدوحة.
وبعد ستة جولات من محادثات المصالحة أدت إلى الفشل قدمت القاهرة في أوائل سبتمبر/أيلول 2010 وثيقة جديدة، تتحدث عن إجراء انتخابات عامة في قطاع غزة والضفة الغربية في النصف الأول من عام 2011 وإصلاح الأجهزة الأمنية برعاية مصرية والإفراج عن السجناء السياسيين من قبل الفصيلين.
اتفاق القاهرة عام 2011
ما إن حل 27 أبريل/نيسان 2011، حتى أعلن ممثلو فتح وحماس اتفاقا جديدا بوساطة مصرية لتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2012.
وفي 4 مايو/أيار 2011، وقع الاتفاق رسميا رئيس السلطة الوطنية محمود عباس وزعيم حماس خالد مشعل في حفل أقيم بالقاهرة.
وتضمن الاتفاق أساسا لتشكيل حكومة انتقالية للتكنوقراط للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الوطنية في سنة واحدة، كما سمح بدخول حماس إلى منظمة التحرير وإجراء انتخابات لهيئة صنع القرار التابعة للمجلس الوطني.
وكالعادة، تم تعليق المفاوضات المتعلقة بتشكيل حكومة وحدة، وذلك في يونيو/حزيران 2011 بسبب الخلافات حول من سيكون رئيس الوزراء، وتعنت حماس في بنود مختلفة.
اتفاق الدوحة عام 2012
وفي فبراير/شباط 2012، توصل محمود عباس وخالد مشعل إلى إعلان الدوحة، غير أن قيادة حماس في قطاع غزة، رفضت الإعلان وهاجم بعض قيادتها بنوده ووجهوا انتقادات لمشعل نفسه، وخرجوا بما سمي استدراكات على الإعلان فرغته من مضمونه.
وبذلك تعثر مرة أخرى تنفيذ الاتفاق.
اتفاق القاهرة عام 2012
تدخلت مصر مجددا، وفي مايو/أيار 2012، وقعت حماس وفتح اتفاقا آخر في القاهرة لحكومة الوحدة الجديدة وتنفيذ الانتخابات الفلسطينية بعد ثلاثة أشهر ونصف من إعلان الدوحة.
واتخذ اتفاق القاهرة الجديد خطوات أساسية لتنفيذ إعلان الدوحة السابق ولا سيما تسجيل الناخبين الجدد في قطاع غزة وتشكيل حكومة مؤقتة، غير أن مماطلة حماس واختلاف التفسيرات بين الجانبين حال دون أي تطبيق عملي على الأرض.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وفي أعقاب ترقية وضع الأمم المتحدة لدولة فلسطين والصراع في غزة زادت الدعوة إلى جبهة موحدة واتخذ قادة فتح وحماس عدة خطوات للتوفيق بين خلافاتهم.
حينها، أكد عباس في خطاب تلفزيوني أن المحادثات مع حماس ستتابع فورا محاولة الفلسطينيين ترقية مركزهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو جهد نجح بالسماح لحركة حماس بالاحتفال بأول تجمع لها في الضفة الغربية منذ عام 2007.
وفي 4 يناير/كانون الثاني ردت حركة حماس بالسماح لمؤيدي فتح بعقد مسيرة في غزة للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية، أعقبها إعلان أن محمود عباس وخالد مشعل سيجددان محادثات المصالحة في القاهرة.
اتفاقيتا غزة والقاهرة عام 2014
شهد يوم 23 أبريل/نيسان 2014، توقيع فتح وحماس اتفاق جديد للمصالحة عرف باسم اتفاق الشاطئ (مخيم للاجئين الفلسطينيين غربي غزة) يقضي بتشكيل حكومة وحدة في غضون خمسة أسابيع تليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 6 أشهر.
ونجح هذا الاتفاق في تشكيل حكومة جديدة برئاسة رامي الحمد الله، لكنه لم يفلح في استلام زمام الأمور في غزة التي شنت إسرائيل عليها حربا هي الثالثة منذ سيطرة حماس.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2014، وقع الطرفان في القاهرة اتفاقا حدد مهام ومسؤوليات الحكومة الجديدة، والتي رغم تشكيلها كان مستحيلا تسلمها زمام الأمور في غزة وسط اتهامات متبادلة بين حماس وفتح، وكان من أبرز القضايا الخلافية مسألة رواتب الموظفين وعمل الأجهزة الأمنية.
محادثات عام 2016
في ديسمبر/كانون الأول 2015 ويناير/كانون الثاني 2016، عقدت حماس وفتح سرا محادثات الدوحة لمحاولة استكمال اتفاق عام 2014.
اتفاق القاهرة عام 2017
ومرة جديدة، نجحت القاهرة في جمع الحركتين وتوصلتا لاتفاق جديد للمصالحة برعاية مصرية.
ووقع الاتفاق عن فتح رئيس وفدها عزام الأحمد، وعن حماس رئيس وفدها إلى القاهرة صالح العاروري.
ونص اتفاق المصالحة على تمكين حكومة الوفاق لتقوم بكافة مهامها في غزة في موعد أقصاه الأول من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
كما اتفق الطرفان على استلام الحكومة كافة معابر غزة في موعد أقصاه الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، على أن تنقل إدارة معبر رفح إلى حرس الرئاسة الفلسطينية.
وفي الملف الأمني، نص اتفاق المصالحة على توجه رؤساء الأجهزة الأمنية في السلطة إلى غزة لعقد لقاءات مع مسؤولي الأجهزة بالقطاع لدراسة سبل استلام مهامهم، وذلك حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2018.
ولأول مرة جرت خطوات عملية حيث استلمت الحكومة معابر القطاع، ووصلت الحكومة برئاسة الحمد الله إلى غزة وعقدت عدة اجتماعات، رغم خلافات ميدانية عديدة.
لكن الخلافات عادت وتفجرت مجددا حول موضوع موظفي حماس ورواتبهم، وعمل الأجهزة الأمنية.
وفي مارس/أذار 2018، جرت محاولة لاغتيال رئيس الحكومة رامي الحمد الله لدى وصوله برفقة مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، إلى غزة، حيث انفجرت عبوة ناسفة قرب السيارة بعد اجتيازها معبر إيرز باتجاه القطاع،.
واتهمت السلطة حماس بالمسؤولية عن الحادث وعلقت كل المباحثات معها.
وإثر تأزم الأمور عادت حماس لتطرد موظفي السلطة من معابر غزة، وأعادت تشكيل لجنتها في القطاع دون إعلان رسمي.
وخلال العامين الماضين جرت عدة لقاءات، ومساع من أجل تطبيق المصالحة، ومؤخرا انطلقت مبادرة من المجموعة العربية للسلام، وسط دعوات من جهات عديدة بإنجاز المصالحة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية في ظل خطة الضم ومساعي واشنطن لفرض ما يعرف بصفقة القرن.
إتفاق الجزائر
بعد 4 أعوام، وتحديد يوم الثالث عشر من أكتوبر وقعت الفصائل الفلسطينية على وثيقة أطلق عليها اسم "إعلان الجزائر". وتلتزم بموجبها، بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام لوضع حد للانشقاق الذي يمزق صفوفها.
وشارك 14 فصيلا فلسطينيا في هذا الاجتماع الذي جرى برعاية الرئيس عبد المجيد تبون، بما في ذلك حركتا فتح وحماس.
وحتى يومنا هذا، نتوق لليوم الذي ينتهي فيه الانقسام الفلسطيني ويتوحد الشعب الفلسطيني بكافة أطيقة تحت راية واحدة، لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.