"هآرتس"ما الحل الذي كان مناسباً للشعب المُخترع؟

07 يوليو 2023 - 12:14
صوت فتح الإخباري:

بقلم: الكسندر يعقوبسون

وثيقة الاستقلال، التي تحظى في هذه الأيام بالتحديث، تنص على أنه "من حق الشعب اليهودي الطبيعي أن يكون مستقلاً مثل باقي الشعوب وأن يعيش في دولته المستقلة". دور اليساريين الطبيعي في البلاد هو القول لليهود بأن مبدأ تقرير المصير يسري ايضا على الشعب الفلسطيني، وأنه يجب أن لا يحدد اليهود للشعب الفلسطيني هويته القومية. هذه مهمة صعبة، لكنها جديرة. في المقابل هناك من يقولون لليهود بأن هذا المبدأ لا يسري على الشعب اليهودي الذي تم "اختراعه". حيث أنه لا يوجد لليهود أي حق في تقرير هويتهم القومية، وأن التوق للدولة كان خطأ منذ البداية. هذه مهمة مستحيلة وغير جديرة.
المؤرخ شلومو زند عاد الى موضوع "اختراع الشعب اليهودي" في سياق نقاش حول خطة التقسيم من العام 1947. زند ما زال يعتقد، مثل كثير من الشعوب التي وجدت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بأن "الشعب اليهودي كان يجب عليه أن يخترع لنفسه بأثر معاكس ماضيا خالدا تقريبا ("هآرتس"، 22/5). هذه الاقوال تستند الى نظرية موجودة حقاً في البحث وتقول بأن القومية الحديثة مقرونة بـ "اختراع" الشعوب، وهي نظرية مختلف عليها. وحسب معرفتي هي مبسطة ومضللة. ولكن من يقرأ كتاب زند عن اختراع الشعب اليهودي يعرف أن اليهود، حسب رأيه، هم شعب "مخترَع" بشكل خاص أكثر من الشعوب الاخرى. لذلك فان الشعب اليهودي (خلافا للشعب الاسرائيلي) غير موجود ايضا الآن حسب رأيه، خلافاً للشعوب العادية التي بعد اختراعها سمح لها بالبقاء فيما بعد.
بسبب أن زند يتطرق لجذوري في الاتحاد السوفييتي السابق، فأنا أشير الى أنه بالنسبة لي وبالنسبة لنحو 3 ملايين يهودي عاشوا في حينه في هذه الدولة، اذا تم اختراع الشعب اليهودي فهو لم يتم اختراعه من قبل الصهاينة. "القومية اليهودية" ظهرت في شهادة ميلادي السوفييتية وفي هوية آبائي. رجال النظام الشيوعي الذين قاموا بتسجيلها نسوا التشاور مع خبراء دوليين في القومية وفي اختراع الشعوب وسؤالهم اذا كان مسموحاً اعتبار اليهود الذين هم خارج اسرائيل قومية أو أنه يجب اعتبارهم فقط طائفة دينية (الامر الذي لم يرتبط بواقع هذه الدولة). الحقيقة هي أنه حتى البشرى التي تقول بأن الشعب الروسي تم اختراعه في القرن التاسع عشر لم تصل الى أذنه. وقد كانت ستفاجئهم جداً. ملايين الاشخاص اعتبروا رسمياً ولعشرات السنين "قومية يهودية" من قبل النظام الملحد في الاتحاد السوفييتي والمناهض للصهيونية؛ كثيرون منهم يوجدون في البلاد ويسمعون أن الحركة الصهيونية قد حولت، لاغراض سياسية، طائفة دينية الى شعب.
في نقاشات التقسيم في 1947 فإن عدم وجود الشعب اليهودي كان ادعاء اساسياً في خطابات المندوبين العرب. ولكن الطريقة التي تطرقوا فيها لليهود في اقوالهم حولت هذا الادعاء الى نكتة بائسة. هكذا قال المندوب السوري في الجمعية العمومية في 22 أيلول، أن اليهود ليسوا قومية، بل "ديانة فقط". وأن من يؤمنون بها غير مسموح لهم بتطوير طموحات قومية. ولكن في نفس الخطاب قال إنه "من بين جميع شعوب العالم القديم، التي اندمجت مع المحتلين، فانه فقط اليهود هم الذين يحافظون على التميز والعزلة، الامر الذي يثير غضب الجيران الذين دائما قاموا بمطاردتهم وازعاجهم، وخلق مرة تلو الاخرى مشكلة اللاجئين".
لا يوجد أي قرن في التاريخ خال من هذه المشكلة. دائما العالم واجه مشكلة اللاجئين اليهود. لماذا؟ سبب ذلك الوحيد هو نمط الحياة الخاص الذي يتبعه اليهود.
"الديانة فقط" تحولت الى الشعب الوحيد من بين شعوب العالم القديم الذي بقي على قيد الحياة. والمتحدث يتبنى فعليا الرواية اليهودية القومية بصيغة مبسطة اقل، مع فرق واحد وهو أن تعاطفه موجه ليس لليهود بل لمن يقومون باضطهادهم. من سمع هذه الاقوال كان يمكن أن يتولد لديه الانطباع بأن هذه وبحق فكرة ممتازة، اعطاء هذا الشعب دولة خاصة به.
شلومو زند لا يفكر بهذه الطريقة. ولكن ما هو الحل المناسب الذي كان في شهر آب 1947؟ واذا لم يكن التقسيم فماذا اذا؟ لا يكفي رفض التقسيم. يجب طرح حل آخر محتمل وتحمل مسؤوليته ومسؤولية ثمنه المتوقع. فكرة الفيدرالية ثنائية القومية التي يؤيدها زند الآن رفضت في حينه كليا من قبل الفلسطينيين والدول العربية. دولة مستقلة يمكن اقامتها بشكل أحادي الجانب. الفيدرالية ثنائية القومية تحتاج الى الاتفاق والتعاون. فهل حسب زند كان من الجدير الموافقة على الحل الوحيد الذي كان يمكنه منع الحرب – دولة عربية على كل ارض فلسطين، التي طالبوا بها ووعدوا بالمحاربة من اجلها، الفلسطينيون والدول العربية؟.
إن وضع مئات آلاف العرب داخل حدود الدولة اليهودية هو حسب رأيه ظلم برر رفض التقسيم؛ هل اعتقد أنه كان من الجدير شمل مئات آلاف اليهود في دولة عربية برئاسة المفتي؟ من يؤيدون التقسيم لم يكونوا متفائلين من المستقبل الذي كان يتوقع لهؤلاء اليهود. فهل حسب رأي زند هم اخطؤوا؟ هل سأل نفسه ذات مرة هذا السؤال؟ الخيارات التي كانت امام الشعب اليهودي "المخترَع" في القرن العشرين لم تكن سهلة. مسموح انتقاد الطريقة التي تم اختيارها. ولكن من ينتقدون ايضا لا يجب عليهم أن يسهلوا جدا على أنفسهم.
ايضا الآن من يعارضون التقسيم يجب عليهم اقتراح بديل حقيقي وتحمل المسؤولية عنه. اليمين يقوم بالفعل ببناء دولة واحدة بين البحر والنهر، ويوهم نفسه بأنها ستكون اسرائيل؛ زند يوهم نفسه بأن الدولة الواحدة ستكون ثنائية القومية. والمنطق يقول بأنها في نهاية المطاف ستكون دولة عربية اخرى في المنطقة.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق