العلاقة بين التنظيم السياسي والنقابي.

01 مارس 2018 - 06:53
عبدالمنعم حمدان    
صوت فتح الإخباري:
العلاقة بين التنظيم السياسي والنقابي.
 
                                                                           

كثيرا مايؤدي الصراع على العمل النقابي إلى شق التنظيم السياسي، ثم ينتقل هذا الشق إلى جماهير النقابة، والواقع أن أساس المشكلة يكون أن يحدث صراع تنظيمي، ويبدأ هذا الصراع بالنزول إلى الأطر الدنيا، حيث يبدأ الكوادر بالتشهير ببعضهم البعض، وإنزال خلافاتهم لهذه الأطر التي لاتستطيع أن تفعل شيئاً، سوى أن يتشيّع بعضها لهذا الفريق أو ذاك.

ويستمر التشهير ….. فتنتقل إلى الأصدقاء والمعارف، فيصبح هناك سباق محموم على جذب واستمالة الأعضاء فالأنصار فالأصدقاء، وعندما يقترب موعد الانتخابات ويبدأ الإطار بإعداد قائمته الانتخابية فيقوم التيار المعارض بفرض أسماء معينة.. فلا يتم الاتفاق وتكون النتيجة دخول الانتخابات بقائمتين من تنظيم واحد (إن لم يكن أكثر).

ويترتب على ذلك النتائج التالية:-

1)    كشف الأعضاء وأسرار التنظيم للشارع (في حالة التنظيم السري أو شبه العلني).

2)    فقدان التنظيم لهيبته أمام الجماهير.

3)    عزوف الأعضاء الجدد عن الدخول في التنظيم.

لو نظر عضو التنظيم إلى النتائج الخطيرة، التي يصل إليها الصراع النقابي، لا يمكن أن يقوم بالمغامرة، ولكن الذين يحملون نوايا أخرى، كما ذُكر، فإنهم يخططون إلى ذلك بوعي وإصرار وقصد.

 

كيف تكون العلاقة بين التنظيمي والنقابي؟

كي نجد الجواب، علينا أولا، أن نبحث عن الأساس في العمل، هل هو العمل النقابي، أم العمل التنظيمي السياسي، فالجواب يكون هو المرشد والدليل والقياس، وقلنا بداية أن النقابة ليست إلا وسيلة التنظيم السياسي في الوصول إلى الجماهير، وتحقيق الأهداف، والواقع أن للعمل النقابي الفلسطيني خصوصيته، التي تجعله يختلف عن أي عمل نقابي آخر، حيث يغلب الطابع السياسي على الطابع النقابي أكثر من الطابع النقابي المعتاد المتعارف عليه في النقابات حتى عدنا للوطن ليصبح الجانب السياسي والمهني المطلبي هامين معا، ألا وهو تحصيل مكاسب نقابية في العمل، مثل تحسين الأجور أو تقليص ساعات العمل وغير ذلك من أهداف نقابية مهنية، هي على غاية الأهمية.

ولكن في ظل الظروف الذاتية والموضوعية لشعبنا ونقاباتنا تتراجع مثل هذه الأهداف، ليحل محلها نشاط سياسي يخدم قضيتنا الوطنية الفلسطينية، وإن حقق بجانب ذلك بعض النشاط الاجتماعي أو الخدماتي البسيط، فهذا يعتبر زيادة عن التمني والآمال.

وإن كان في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية بعد العام 1994 أصبح هناك توازن بين العمل النقابي السياسي والنضال المطلبي ما يحتاج نضالا كبيرا.

لذلك يظهر الارتباط الوثيق والعضوي بين التنظيمي السياسي بهياكله وعملنا النقابي.

يقوم التنظيم (عبر المفوضية أوالمكتب الحركي أو جموع النقابيين حسب النظام المتبع، ومن خلال أطره في كل إقليم كمثال) بفرز أعضائه أو أنصاره للنقابات، ثم يدفعها للانتخابات، ويلتف حولها ليدفع النقابة في عملها بل لا نبالغ بالقول أن التنظيم النشِط الفاعل عندما يكون قائداً في نقابة ما يضع الخطة الكاملة للنقابة، ويطالبها بالتنفيذ بل ربما يقرر مثلاً احتفالا ما، ويضع كل متطلبات الاحتفال، حيث يتم الاتفاق عليها داخل (أطر) التنظيم (قد يكون الإقليم أو المكتب الحركي مثلا) أحيانا، وأظنكم تلاحظون عندما يكون النشاط السياسي التنظيمي إيجابيا، والعلاقات التنظيمية الداخلية والثنائية مع التنظيمات الأخرى المشاركة في النقابة جيدة، تلاحظون مثلاً العمل المتكامل للجالية أو للشريحة الطلابية، والعكس أيضاً صحيح في حالة الخلل التنظيمي، تنعكس الأوضاع على النشاط النقابي وعلى الساحة الفلسطينية أيضاً.

 

أهمية العمل النقابي للتنظيمات السياسية:-

1. النقابة مكان رحب تستطيع القوى السياسية نشر أفكارها والتعبير عن مواقفها بشكل غير مباشر.

2. هي مكان رحب للاستقطاب (الاستمالة والجذب للأعضاء).

3. هي مدرسة لتعلم الديمقراطية، وذلك من خلال الاجتماعات الدورية وغير الدورية والمؤتمرات حيث يتفاعل العضو مع أعضاء يختلفون معه في المواقف.

4. وهي إطار لممارسة الوحدة الوطنية وتعزيزها.

5. وهي مدرسة لصقل الكادر التنظيمي والسياسي.

6. وهي أيضاً مدرسة لتعلم العمل في مجال العلاقات الجماهيرية والخارجية.

7. وهي مدرسة أيضاً لتعلم آلية عمل المؤتمرات، وبناء التحالفات وفن التكتيك وفن التفاوض.

لهذه الأسباب ولأسباب عديدة غيرها تجد الصراع بين التنظيمات السياسية للسيطرة على النقابات.

 

كيفية فرز الكوادر التنظيمية للعمل النقابي

يواجه التنظيم السياسي مشكلة عند عقد المؤتمرات النقابية لكثرة المترشحين لقيادة العمل النقابي، اعتقاداً من البعض أن هذا الموقع ينقله إلى موقع تنظيمي أفضل، أوطمعاً بامتيازات يعتقد هو أن المسؤول النقابي يحصل عليها.

ومن هنا فإن التنظيم يواجه أولاً مشكلة الاختيار، وتتم هذه العملية إما بالانتخابات الداخلية أو بالاستمزاج أو بالتوافق، وبالرغم من هذه العملية التي تمارسها قيادة التنظيم فإنها تضطر إلى اختيار شخص آخر لم يكن هو الأول في الاختيار أوالإستمزاج، بل قد تضطر إلى اختيار شخص صديق للتنظيم وليس مرتبطاً بالأطر التنظيمية، والسبب في ذلك أن هناك ميزات لا بد من توافرها في القائد النقابي[1]، أوبسبب وجود قائد نقابي صديق للتنظيم، ويتمكن التنظيم السياسي من تحقيق أهدافه المطلوبة من النقابة من خلال هذا الصديق، خاصة أن النقابة (والعمل فيها بالنسبة للتنظيم السياسي) هي وسيلة وليست غاية.

بعد أن تتم عملية الاختيار يطلب التنظيم من أعضائه الترشح للمواقع القيادية ؤسميا، ويبدأ بحملة دعائية لانتخاباتهم، وقد يقوم بعقد تحالفات مع قوى سياسية أخرى بهدف الفوز في انتخابات النقابة (أنظر الحال في البلديات والتشريعي أيضا).

ولان النقابة مدرسة، فإن التنظيم الناجح يحافظ على حُسن التواصل داخل النقابة، ويقوم بنقل التجربة من جيل إلى آخر.

وفي حال تغيير أعضائه في قيادة النقابة يجب أن يتم التغيير بكوادر مؤهلة مسبقاً (ومدربة) لذلك من المهم أن يكون إلى جانب القائد النقابي كوادر مساعدة من التنظيم تتابع كل صغيرة وكبيرة داخل النقابة، وتتابع نشاطها وفعالياتها وقراراتها إذا كان ممكناً، وآلية عمل اجتماعاتها الدورية ومؤتمراتها السنوية وكذلك المؤتمرات الإقليمية والدولية، كي تكون البدائل عديدة وأن لا تواجه مشكلة في حال التغيير.

    من الصفات الواجب توافرها في القائد (المسؤول) النقابي:

1) المبادرة:

بالرغم من المصالح المشتركة بين أعضاء النقابة فإن العمل النقابي هو عمل طوعي (كما الانتماء للعمل التنظيمي السياسي طوعي أيضا) ولهذا فلا بد للقائد النقابي أن يكون قادرا على طرح أفكار ونشاطات تشكل حافزاً للأعضاء لتنفيذها، وأن يبادر هو ويكون قدوة للآخرين في ذلك.

2) الشعور بالمسؤولية:

إن مشاكل أعضاء النقابة تنقسم إلى قسمين:

1- عامة.              2- خاصة.

إن المشاكل العامة لأعضاء النقابة تتحرك لحلها كل القاعدة النقابية لأنها مرتبطة بمصالح كل فرد، وفي هذه التحركات ترى الكثير من القادة النقابيين ينشطون وبفاعلية، لما لهذا التحرك من تغطية في وسائل الإعلام ومن مؤتمرات صحفية وخطابة ووجاهة.

لكن القائد النقابي الناجح هو ذلك القائد الذي يتحرك لحل مشكلة كل عضو من أعضاء نقابته شعوراً منه بالمسؤولية تجاه هؤلاء الأعضاء.

3) المساواة:

لابد للقائد من أن يساوي بين أعضاء النقابة وعدم التمييز فيما بينهم، سواء في المكتسبات أو المهمات، وعدم التعصب لأعضاء تنظيميه (أو عشيرته أو منطقته ما هو أسوأ من التعصب للتنظيم).

4) الوعي السياسي والقدرة على الحوار:

تنتمي القاعدة النقابية (الهيئة العامة) إلى كافة التنظيمات السياسية وبالتالي فإن هناك العديد من الآراء السياسية المتناقضة، ولا يجوز أن تحسم كل القرارات داخل النقابة بالتصويت عليها.

إن القائد النقابي الناجح هو الذي يتمكن من الوصول إلى الصيغ التوفيقية بالحوار دون اللجوء إلى حسم القرارات بالتصويت عليها دوما، وأن عملية التصويت تتم وكأنها الكي آخر العلاج.

5) البعد عن الذاتية والتواضع:

إن ابن التنظيم عندما يفرز للعمل النقابي عليه أن يعلم أن هذا الموقع هو تكليف وليس تشريف، وبالتالي فإن مصلحة التنظيم والوطن هي فوق مصلحته الذاتية، وأن النقابة بقدر ما هي مهمة لتحقيق مطالب أعضاءها فإنها وسيلة للتنظيم لتحقيق أهدافه السياسية وخطته وبرنامجه، من خلالها وليس تحقيق أهداف الفرد، وهنا أيضا يصبح التواضع صفة لا بد من توافرها, وكذلك القدرة على استيعاب الآخرين والابتعاد عن أسلوب الأستذة والفوقية في التعامل مع الآخرين.

6) القدرة على التفاوض:

يضطر القائد النقابي بالتفاوض مع الدولة أو مع أصحاب العمل، ولهذا فمن المهم أن يعرف القائد النقابي متى تبدأ النقابة بالتحرك؟ ماهي أهداف هذا التحرك؟ ما هو الحد الأقصى الذي يمكن تحقيقه؟ ما هو الحد الأقصى الذي يمكن التنازل عنه؟ ما هي المطالب الأساسية وما هي المطالب الثانوية؟ (الأولويات والرئيسي والثانوي) كل ذلك مهم حتى يعرف أين يتنازل وأين يتمسك بمطالبه.

7) العمل بعقلية المؤسسة (روح الفريق):

القائد النقابي يجب أن يكون ديمقراطياً يستمع إلى وجهة نظر الآخرين ويتعامل مع ايجابياتها كفريق، وأن يحافظ على اجتماعات ومؤتمرات النقابة في مواعيدها، وأن لا يعطل عمل هذه الاجتماعات والمؤتمرات.

 

المتابعة في التنظيم السياسي للعمل النقابي:-

من أهم المشاكل التي تواجه التنظيم هي متابعة النقابيين وكيف ينفذ التنظيم برنامجه داخل النقابة، آخذاً بعين الاعتبار التمايز بين البرنامجين السياسي والنقابي، وهو اختيار الأعضاء القادرين على التوفيق بين الانتماء التنظيمي والنقابي، لكل ذلك فإنه يحصل خلاف بين المسؤول التنظيمي والمسؤول النقابي حيث يحاط المسؤول النقابي بمجموعة من القرارات تجعله غير قادر على الإبداع، أو أن يحاول المسؤول النقابي أن يستقل إلى الحد الذي يجعله يرفض كل التوجهات التنظيمية ولكي لا يحصل ذلك فلا بد:-

1. أن يعطي المسؤول النقابي صلاحيات واسعة بحيث يظهر أمام الجمعية العمومية (الهيئة العامة) وكأنه القائد الأول، ويلتزم المسؤول التنظيمي بذلك إذا كان عضواً في النقابة.

2. يقوم التنظيم السياسي بوضع خطة عامة، ويترك للمسؤول النقابي كيفية تنفيذها.

3. يقوم التنظيم بالطلب من أعضائه في النقابة بمساعدة القياديين على تنفيذ برامجهم وفعالياتهم.

4. يقوم التنظيم بتقديم الإمكانيات المتاحة التي يطلبها النقابي لتنفيذ خطته.

5. تتم وعبر الأطر التنظيمية نقد الممارسات الخاطئة للقائد النقابي وضرورة عدم تكرارها، وتتم محاسبته في حال ألحقت هذه الممارسات ضرراً في العمل النقابي أو الوطني أو التنظيمي.

 

 ومن هنا فإن السلبيات في اختيار الكوادر النقابية تؤدي إلى:

1) فقدان الكادر نتيجة تفوق الانتماء النقابي على الانتماء التنظيمي.

2) فقدان قاعدة شعبية نتيجة سوء طرح الأفكار أو سوء التصرف الشخصي.

 

خاتمة: إن العلاقة بين الأطر التنظيمية في التنظيم السياسي داخل الإقليم أو في المركز من خلال المكتب الحركي (أو الإقليم)، أو من خلال مفوضية المنظمات الشعبية[2] في الحركة يجب أن تكون هي الناظم لعمل النقابة أو الاتحاد (وأيضا الهيئات والمنظمات والجمعيات غير الحكومية..).

 فلا يستطيع الكادر التنظيمي الكفوء أن يخرج عن أهداف التنظيم بدخول النقابة ما كانت عوامل المتابعة وتوزيع العمل والمشاركة أساسية بحيث لا يكون التواصل منقطعا بل متصلا، ما يحفز الروح الايجابية المشارِكة وينأى بالشخص عن الهوى ويقرّب المسافات.

 لذا فالمسؤولية الأولى في خدمة التنظيم السياسي على المنتمين للإطار، ومسؤولية خدمة الشريحة في النقابة (والاتحاد أو الجمعية...) أساسا على القادة النقابيين وبينهما جسر مودة وتفاهم وتعاون واتصال لا ينقطع ونظام (دستور أو لائحة) حاكم وضابط ومحدد.

 

[1]  وكذلك يجب أن يكون الحال في الانتخابات المحلية البلدية وفي انتخابات المجلس التشريعي أي بأن تتوفر مواصفات محددة جماهيرية مقبولة في المترشح.

[2] تضم مفوضية المنظمات الشعبية لحركة فتح كل من الاتحادات والنقابات مثل: المعلمين والطلاب، واتحاد المرأة، والأطباء، وأطباء الأسنان والعمال، (على تعدد الاتحادات العمالية في فلسطين) والمهندسين، والصيادلة والزراعيين والفلاحين والاقتصاديين، والفنانين التشكيليين، والفنانين التعبيريين،والكتاب والأدباء، والصحفيين....الخ، ولا تعتبر منظمة أو حركة الشبيبة أو المرأة إلا إطارا تنظيميا داخليا تابعا للحركة رغم ممارستها للعمل التنظيمي والنقابي معا.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق